فصل: كِتَابُ الْعِدَدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [مَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَيَانًا لَحِقَهُ الْوَلَدُ]:

(وَمَنْ ثَبَتَ) أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَيَانًا، فَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْهُمَا (أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ، فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ، لَحِقَهُ) نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِوَطْئِهِ. وَلِأَنَّ سَعْدًا نَازَعَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ فَقَالَ: هُوَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ (وَلَوْ قَالَ: عَزَلْت أَوْ قَالَ: لَمْ أُنْزِلَ) لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا، فَانْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اُتْرُكُوا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهَا وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَ وَلَمْ يَحُسَّ بِهِ، أَوْ أَصَابَ بَعْضُ الْمَاءِ فَمَ الرَّحِمِ، وَعَزَلَ بَاقِيَهُ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَفَارَقَ الْمِلْكُ النِّكَاحَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَيَنْعَقِدُ فِي مَحَلٍّ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَ(لَا) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ (إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً) بَعْدَ وَطْءٍ (وَيَتَّجِهُ بِحَيْضٍ إذْ بِهِ تُتَيَقَّنُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ)، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي حُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْإِطْلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِعُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْإِبْرَاءِ إذَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الْحُقُوقِ (ثُمَّ تَلِدُ لِنِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَهُ) أَيْ: الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ يَلْحَقُهُ وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا تَلِدُهُ بَعْدَهُ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ بِدُونِ إقْرَارٍ آخَرَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ أَوَّلًا قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَحَصَلَ بِهِ اسْتِبْرَاؤُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ. (وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً) أَقَرَّ بِوَطْئِهَا (أَوْ بَاعَ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، فَوَلَدَتْ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ) مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا (لَحِقَهُ) أَيْ: الْمُعْتِقَ أَوْ الْبَائِعَ مَا وَلَدَتْهُ، لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ نِصْفُ سَنَةٍ، فَمَا وَلَدَتْهُ لِدُونِهَا وَعَاشَ عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ الْبَيْعِ حِينَ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ (وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَالْعِتْقُ صَحِيحٌ. (وَلَوْ) كَانَ (اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَهُ) أَيْ: الْبَيْعِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ دَمُ فَسَادٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) قَبْلَ بَيْعِهَا (وَوَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ) مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ (وَادَّعَى مُشْتَرٍ أَنَّهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (مِنْ بَائِعٍ) فَيَلْحَقُهُ؛ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا مَا يَمْنَعُهُ، فَتَعَيَّنَ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِإِلْحَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَلَحِقَ بِهِ؛ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ عَنْهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِهِ شَيْءٌ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ) وَقَدْ بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ، وَوَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَدُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ بَيْعٍ، وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا؛ أُرِيَ الْقَافَةَ (أَوْ) ادَّعَى (كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَنَّهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (لِلْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا، أُرِي) الْوَلَدُ (الْقَافَةَ) لِأَنَّ نَظَرَهَا طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ إلَى مَعْرِفَةِ النَّسَبِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ. (وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ) الْمَبِيعَةُ قَبْلَ بَيْعٍ (ثُمَّ وَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ) مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ؛ وَقَدْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُودِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ، فَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ غَيْرَ صَحِيحٍ (أَوْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ) الْمَبِيعَةُ وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ بَيْعٍ (وَلَمْ يُقِرَّ مُشْتَرٍ لَهُ) أَيْ: الْبَائِعِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا وَلَدَتْهُ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَمَةَ إذَا بِيعَتْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا (وَلَمْ يَدَّعِهِ) أَيْ: لَمْ يَدَّعِ بَائِعُهَا الْوَلَدَ (لِنَفْسِهِ) لَمْ يَلْحَقْهُ؛ لِعَدَمِ إقْرَارِ مُشْتَرٍ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (لَمْ يَلْحَقْ بَائِعًا) لِأَنَّهُ وَلَدُ أَمَةِ الْمُشْتَرِي؛ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى غَيْرِهِ لَهُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمُشْتَرِي. (وَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ: الْوَلَدَ (بَائِعٌ، وَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ) أَنَّهُ وَلَدُهُ فِي صُورَةٍ مَا إذَا لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَوَلَدَتْ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فـَ) الْوَلَدُ (لِلْبَائِعِ) يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهِ قَبْلَ بَيْعِهَا، لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ، سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ وَلَدُ الْبَائِعِ فَهُوَ وَلَدُهُ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْبَائِعُ (أَقَرَّ بِوَطْءٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ. (وَإِنْ) ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَلَدُهُ وَ(لَمْ يُصَدِّقْهُ مُشْتَرٍ، فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَهُ) أَيْ: لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْإِيلَادِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا يَبْطُلُ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ ظَاهِرُ حَالِهِ الْوَطْءُ، وَغَابَ) الْبَائِعُ (فَوُجِدَتْ) الْأَمَةُ (حَامِلًا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي (دَيَّانَةً تَصَرُّفٌ فِيهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (بِنَحْوِ بَيْعٍ) كَهِبَةٍ (قَبْلَ مُرَاجَعَتِهِ) أَيْ: الْبَائِعِ (إنْ أَمْكَنَتْ) مُرَاجَعَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ، وَإِلَّا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ كَأَيُوسٍ مِنْ عَوْدٍ أَوْ فِي مَحَلٍّ مَجْهُولٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ بَيْعِهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ مَجْنُونٍ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٌ (لَا مِلْكَ لَهُ) أَيْ: الْمَجْنُونِ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى رَقَبَتِهَا أَوْ مَنْفَعَةِ بُضْعِهَا (وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ) عَلَى ذَلِكَ (لَمْ يَلْحَقْهُ) أَيْ: الْمَجْنُونَ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكْرَهَهَا؛ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُ وَغَيْرُهُ؛ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ، فَمَنْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَاعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْءٍ؛ لَحِقَ وَاطِئًا وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِلَا لِعَانٍ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَكَذَا) لَوْ وَلَدَتْ (مِنْ نَائِمٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمُكْرَهٍ) لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ أَيْضًا، لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَنْ قَالَ عَنْ وَلَدٍ بِيَدِ سُرِّيَّتِهِ أَوْ) بِيَدِ (زَوْجَتِهِ أَوْ) بِيَدِ (مُطَلَّقَتِهِ: مَا هَذَا وَلَدِي، وَلَا وَلَدْتُهُ، أَوْ قَالَ: بَلْ الْتَقَطَتْهُ أَوْ اسْتَعَرْتَهُ) وَنَحْوُهُ (فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ وَلَدِي مِنْك، فَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ بِوِلَادَتِهَا لَهُ لَحِقَهُ) نَسَبُ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ (وَإِلَّا) يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا مَرْضِيَّةٌ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وِلَادَتِهَا لَهُ، وَهِيَ مِمَّا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (وَلَا أَثَرَ لِشَبَهِ) وَلَدٍ وَلَوْ لِأَحَدِ مُدَّعِيهِ (مَعَ) وُجُودِ (فِرَاشٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَتَقَدَّمَ، وَفِيهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ». (وَتَبَعِيَّةُ نَسَبٍ لِأَبٍ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (مَا لَمْ يَنْتَفِ كَابْنِ مُلَاعِنَةٍ) وَإِلَّا وَزِنَا فَوَلَدُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيٌّ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشِيَّةٍ وَوَلَدُ قُرَشِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيٍّ لَيْسَ قُرَشِيًّا (وَتَبَعِيَّةُ مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ لِأُمٍّ فَوَلَدُ حُرَّةٍ حُرٌّ)، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَقِيقٍ، وَوَلَدُ أَمَةٍ وَلَوْ مِنْ حُرٍّ قِنٌّ لِمَالِك أُمِّهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا تَبِعَ الْوَلَدُ الْأُمَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ الْأَبِ نُطْفَةً لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَا مَالِيَّةَ وَلَا مَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا اكْتَسَبَ لَبَنَهَا وَمَنِيَّهَا، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَبِعَهَا، كَمَا لَوْ أَكَلَ رَجُلٌ تَمْرًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ وَسَقَطَتْ نَوَاةٌ فِي الْأَرْضِ مِنْ يَدِ الْآكِلِ فَصَارَتْ نَخْلَةً، فَإِنَّهَا مِلْكُ صَاحِبِ الْأَرْضِ، دُونَ الْآكِلِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهَا انْفَصَلَتْ عَنْ الْآكِلِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا (إلَّا مَعَ شَرْطِ) زَوْجِ أَمَةٍ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا، فَهُمْ أَحْرَارٌ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (أَوْ) إلَّا مَعَ (غُرُورٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ شَرَطَهَا أَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً؛ فَتَبِينُ أَمَةً، فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا وَيَفْدِيهِ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) إلَّا مَعَ (شُبْهَةٍ) فَوَلَدُهَا حُرٌّ أَيْضًا. (وَتَبَعِيَّةُ دِينِ) وَلَدٍ لِخَيْرِهِمَا (وَوُجُوبُ فِدْيَةٍ لِخَيْرِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ دِينًا، فَوَلَدُ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ مُسْلِمٌ، وَوَلَدُ كِتَابِيٍّ مِنْ مَجُوسِيَّةٍ كِتَابِيٌّ (وَيَتَّجِهُ فِي يَهُودِيٍّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً) يَتْبَعُ وَلَدُهُمَا الْأَبَ، أَوْ يُخَيَّرُ (وَعَكْسُهُ) كَنَصْرَانِيٍّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً؛ فَإِنَّ وَلَدَهُمَا (يَتْبَعُ الْأَبَ، أَوْ يُخَيَّرُ) إذْ هُمَا فِي الْكُفْرِ سَوَاءٌ، لَكِنْ لَوْ قِيلَ بِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِمَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَبَوَيْهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ مَوَدَّةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ لَا خَيْرَ فِي كِلَيْهِمَا (وَتَبَعِيَّةُ نَجَاسَةٍ وَحُرْمَةُ أَكْلٍ وَذَكَاةٌ وَتَحْرِيمُ مُنَاكَحَةٍ وَسَهْمُ غَنِيمَةٍ لِأَخْبَثِهِمَا) أَيْ: الْأَبَوَيْنِ، فَالْبَغْلُ مِنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ مُحَرَّمٌ نَجِسٌ تَبَعًا لِلْحِمَارِ دُونَ أَطْيَبِهِمَا وَهُوَ الْفَرَسُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ هِرٍّ وَشَاةٍ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ تَبَعًا لِلْهِرِّ دُونَ الشَّاةِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيَّةٍ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا تُنْكَحُ لَوْ كَانَتْ أُنْثَى تَبَعًا لِلْمَجُوسِيَّةِ دُونَ الْكِتَابِيِّ، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهَا كِتَابِيَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَا تُوطَأُ أَمَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ لَوْ خَرَجَتْ سَهْمُ مُقَاتِلٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ تَبَعًا لِأَبِيهَا الْمَجُوسِيِّ دُونَ أُمِّهَا الْكِتَابِيَّةِ.

.كِتَابُ الْعِدَدِ:

بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَاحِدُهَا عِدَّةٌ، وَهِيَ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَدَدِ، لِأَنَّ أَزْمِنَةَ الْعِدَدِ مَحْصُورَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ كَالْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ، وَشَرْعًا (التَّرَبُّصُ الْمَحْدُودُ شَرْعًا) يَعْنِي مُدَّةً مَعْلُومَةً تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيٍّ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ؛ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيَأْتِي مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ، لِأَنَّ رَحِمَ الْمَرْأَةِ رُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا بِمَاءِ شَخْصٍ، وَتَمْيِيزُ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ وَالْعِدَّةُ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَعْنًى مَحْضٌ وَتَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَيَجْتَمِعُ أَمْرَانِ، وَالْمَعْنَى أَغْلَبُ وَيَجْتَمِعُ الْأَمْرَانِ، وَالتَّعَبُّدُ أَغْلَبُ؛ فَالْأَوَّلُ عِدَّةُ الْحَامِلِ، وَالثَّانِي عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَالثَّالِثُ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي يُمْكِنُ حَبَلُهَا مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ؛ فَإِنَّ مَعْنَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَغْلَبُ مِنْ التَّعَبُّدِ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِغَلَبَةِ ظَنِّ الْبَرَاءَةِ، وَالرَّابِعُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي يُمْكِنُ حَمْلُهَا، وَتَمْضِي إقْرَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ؛ فَإِنَّ الْعَدَدَ الْخَاصَّ بِهِ أَغْلَبُ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ تِلْكَ الْأَقْرَاءِ. (وَلَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ) زَوْجٍ (حَيٍّ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ) قَبْلَ (خَلْوَةٍ، وَلَا) عِدَّةَ (لِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِدَّةِ وُجُوبُهَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ هُنَا. (وَشُرِطَ) فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ (لِوَطْءٍ كَوْنُهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ (يُوطَأُ مِثْلُهَا وَكَوْنُهُ) أَيْ: الْوَاطِئُ (يَلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ) فَإِنْ وُطِئَتْ بِنْتٌ دُونَ تِسْعٍ أَوْ وَطِئَ ابْنٌ دُونَ عَشْرٍ فَلَا عِدَّةَ لِذَلِكَ الْوَطْءِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعِلْمِ بِسِنِّ مُتَوَاطِئَيْنِ (وَ) أَمَّا (مَعَ جَهْلِ سَنٍّ فَالْأَصْلُ الصِّغَرُ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) شُرِطَ فِي وُجُوبِ عِدَّةٍ (لِخَلْوَةٍ طَوَاعِيَتُهَا) فَإِنْ خَلَا بِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْخَلْوَةِ فَلَا عِدَّةَ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِأَنَّهَا مَظِنَّتُهُ، وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا مَعَ التَّمْكِينِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي خَلْوَةٍ كَوْنُهَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَكَوْنُهُ يَلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ كَمَا فِي الْوَطْءِ وَأَوْلَى (وَ) شُرِطَ لِخَلْوَةٍ (عِلْمُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِهَا) فَلَوْ خَلَا بِهَا أَعْمَى لَا يُبْصِرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ تُرِكَتْ بِمَخْدَعٍ بِالْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا الْبَصِيرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الزَّوْجُ، فَلَا عِدَّةَ؛ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْخَلْوَةِ؛ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ لِقَضَاءِ الْخُلَفَاءِ بِذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّدَاقِ (وَلَوْ مَعَ مَانِعٍ) شَرْعِيٍّ أَوْ حِسِّيٍّ (كَإِحْرَامٍ وَصَوْمٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ وَرَتْقٍ) وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَاعْتِكَافٍ؛ إنَاطَةَ لِلْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا. (وَتَلْزَمُ) الْعِدَّةُ (لِوَفَاةٍ مُطْلَقًا) كَبِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ صَغِيرًا، يُمْكِنُهُ وَطْءٌ أَوْ لَا، خَلَا بِهَا أَوْ لَا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ) وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ (كَصَحِيحٍ) فِي وُجُوبِ (عِدَّةٍ) فِيهِ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمُهُ بِعَدَمِ ذَلِكَ (وَلُحُوقٌ لِنَسَبٍ وَتَحْرِيمُ مُصَاهَرَةٍ وَدَرْءُ حَدٍّ وَاسْتِقْرَارُ مُسَمًّى) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَجَبَ إقْرَارُ الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ إنْكَارُهُ فَأَثْبَتَ أَحْكَامَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَ(لَا) يُعْطَى النِّكَاحُ الْفَاسِدُ حُكْمَ الصَّحِيحِ (فِي حِلِّ) وَطْءٍ بِهِ (وَ) لَا فِي (إحْلَالٍ) لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، (وَ) لَا فِي (إرْثٍ وَ) لَا فِي (تَنْصِيفِ صَدَاقٍ) بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ وَ) لَا فِي (ثُبُوتِ رَجْعَةٍ) لِمُطَلِّقٍ بَعْدَ الدُّخُولِ (وَ) لَا فِي (إحْدَادٍ) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَوْ رُفِعَ إلَيْنَا لَأَبْطَلْنَاهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَلَا عِدَّةَ فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ) مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ كَمُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ (إلَّا بِوَطْءٍ) لِأَنَّ وُجُودَ صُورَتِهِ كَعَدَمِهَا، فَإِنْ وَطِئَ لَزِمَتْ الْعِدَّةُ كَالزَّانِيَةِ. (وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ) إحْدَاهَا (الْحَامِلُ وَعِدَّتُهَا مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ) كَطَلَاقٍ وَفَسْخٍ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً (إلَى وَضْعِ كُلِّ الْوَلَدِ) إنْ كَانَ الْحَمْلُ وَلَدًا وَاحِدًا، أَوْ وَضْعِ (الْأَخِيرِ مِنْ عَدَدٍ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا بِعَدَدٍ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، طَلَاقًا كَانَتْ الْفُرْقَةُ أَوْ فَسْخًا؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَبَقَاءُ بَعْضِ الْحَمْلِ يُوجِبُ بَقَاءَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا بَلْ بَعْضَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَوْ مَاتَ) الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا (لَا تَزَالُ مُعْتَدَّةً حَتَّى تَضَعَهُ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَيْثُ تَجِبُ لِلْحَامِلِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مَحَلًّا لِوُجُوبِهَا (وَاحْتَمَلَ، أَوْ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ آيِسَةً) فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا تَنْقَضِي) عِدَّةُ حَامِلٍ (إلَّا بِوَضْعِ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ، وَهُوَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ كَرَأْسٍ وَرِجْلٍ) فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ.
تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ، فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ، أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَلَدًا أَشْبَهَ الْعَلَقَةَ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، لَكِنْ لَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْخَلْقُ، فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً ظَهَرَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ؛ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ، لِأَنَّهُ حَمْلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ (فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْحَمْلُ لِصِغَرِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ عَشْرٍ (أَوْ لِكَوْنِهِ خَصِيًّا مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ مَجْبُوبٍ أَوْ لِوِلَادَتِهَا لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا وَيَعِيشُ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إبَّانِهِ) وَيَعِيشُ (لَمْ تَنْقَضِ بِهِ) عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ يَقِينًا؛ فَلَمْ تَعْتَدَّ بِوَضْعِهِ (وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ) إنْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا (أَوْ) عِدَّةَ (حَيَاةٍ) إنْ كَانَ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ حَيْثُ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْفِرَاقِ وَالْفِرَاقُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. (وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلٍ) يَعِيشُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وِفَاقًا لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ (أَنَّهُ رُفِعَ إلَى عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وَقَالَ: «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا» فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِف أَنَّ عَبْدَ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ (وَغَالِبُهَا) أَيْ مُدَّةِ الْحَمْلِ (تِسْعَةُ) أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ يَحْمِلْنَ (وَأَكْثَرُهَا) أَيْ: مُدَّةِ الْحَمْلِ (أَرْبَعُ سِنِينَ) لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ أَحْمَدُ: نِسَاءُ بَنِي عِجْلَانَ يَحْمِلْنَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَامْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِجْلَانَ حَمَلَتْ ثَلَاثَ بُطُونٍ، كُلَّ دُفْعَةٍ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ فِي أَوَّلِ يَوْمِ مُتَمِّمٍ لِنِصْفِ السَّنَةِ؛ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ الْوَضْعِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهَا وَلَدَتْ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِبَعْضِ يَوْمٍ فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا؛ إذْ (لَا يُقَدِّمُ) فِي عَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَأَخُّرُ بَقِيَّةِ يَوْمٍ) مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ (لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ) لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمُهُ، هُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُبَيِّنُ) خَلْقَ (وَلَدٍ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً؛ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ خَلْقَ آدَمِيٍّ بِكَوْنِهِ مُضْغَةً؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ لَا يَنْعَقِدُ، وَالْعَلَقَةُ قَدْ تَكُون دَمًا انْحَدَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالظَّاهِرُ كَوْنُهَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ آدَمِيٍّ. (الثَّانِيَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ هَذَا فِي (غَيْرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَإِنَّهُنَّ لَا اعْتِدَادَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا شُرِّعَتْ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَجْلِ حِلِّ الْمُعْتَدَّةِ لِلْأَزْوَاجِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَوْ) كَانَ (طِفْلًا وَهِيَ طِفْلَةٌ) لَا يُولَدُ لِمِثْلِهَا، وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ (بِلَا حَمْلٍ مِنْهُ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَامِلِ مِنْهُ (وَإِنْ كَانَ) الْحَمْلُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ الْمُتَوَفَّى كَأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَحَمَلَتْ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا، اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ؛ لِلشُّبْهَةِ، وَ(اعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ بَعْدَ وَضْعِ) الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِآدَمِيَّيْنِ؛ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدِّينَيْنِ وَتَجِبُ عِدَّةُ وَفَاةٍ. (وَعِدَّةُ حُرَّةٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ) لِلْآيَةِ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ لِلَّيْلِ، وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَكْذِيبَهَا وَنَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَلَا تَأْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ، فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ نَسَبُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَنْفِيهِ؛ فَاحْتِيطَ بِإِيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَالْمَبِيتِ بِمَنْزِلِهَا حِفْظًا لَهَا، وَسَوَاءٌ وُجِدَ فِيهَا الْحَيْضُ أَوْ لَا.
(وَ) عِدَّةُ (أَمَةٍ) تُوُفِّيَ زَوْجُهَا (نِصْفُهَا) شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَنْصِيفِ عِدَّةِ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ؛ فَكَذَا فِي عِدَّةِ الْمَوْتِ وَكَالْحَدِّ.
(وَ) عِدَّةُ (مُنَصَّفَةٍ) أَيْ: مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ وَنِصْفُهَا رَقِيقٌ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا (وَلَا اعْتِبَارَ بِالْحَيْضِ) وَمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةٍ مُرْتَدٌّ) بِأَنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ (بَعْدَ دُخُولٍ) فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَلَافِيَ النِّكَاحِ بِإِسْلَامِهِ.، (أَوْ) مَاتَ زَوْجُ (كَافِرَةٍ أَسْلَمَتْ) بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ؛ سَقَطَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ نَصًّا، لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) مَاتَ (زَوْجُ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (سَقَطَتْ) عِدَّةُ الطَّلَاقِ (وَابْتَدَأَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مِنْ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَإِيلَاؤُهُ (وَإِنْ مَاتَ فِي عِدَّةِ مَنْ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ؛ لَمْ تَنْتَقِلْ) عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَالتَّوَارُثِ وَلُحُوقِهَا طَلَاقَهُ وَنَحْوِهِ (وَتَعْتَدُّ مَدْخُولٌ بِهَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (فَارًّا الْأَطْوَلَ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَ) وَمِنْ عِدَّةِ (طَلَاقٍ) لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ؛ فَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَالرَّجْعِيَّةِ، وَمُطَلَّقَةٍ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَيَنْدَرِجُ أَقَلُّهُمَا فِي الْأَكْثَرِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ وَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتُجْعَلُ (أَوَّلُهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (مِنْ حِينِ طَلَاقٍ) لَا مِنْ حِينِ مَوْتٍ رِفْقًا بِهَا؛ لِئَلَّا تَطُولَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَمَحَلُّ كَوْنِهَا تَعْتَدُّ أَطْوَلَهُمَا (إنْ وَرِثَتْ) الزَّوْجَ (وَإِلَّا) تَرِثُهُ الْمُبَانَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَكَوْنِهَا أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ، أَوْ تَكُونُ هِيَ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ أَوْ الْخُلْعَ أَوْ فَعَلَتْ مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا مِنْ نَحْوِ رَضَاعِ زَوْجَةٍ صُغْرَى (فـَ) تَعْتَدُّ (لِطَلَاقٍ لَا غَيْرَهُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَارِثَةً؛ أَشْبَهَتْ الْمُبَانَةَ فِي الصِّحَّةِ. (وَلَا تَعْتَدُّ لِمَوْتٍ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَهُ) أَيْ: الْمَوْتِ بِحَيْضٍ أَوْ شُهُورٍ أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ (وَلَوْ وَرِثَتْ) وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ؛ فَلَا عِدَّةَ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَتَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَنْ مُسِخَ زَوْجُهَا جَمَادًا (فـَ) تَعْتَدُّ (عِدَّةَ وَفَاةٍ وَ) لَوْ مُسِخَ (حَيَوَانًا فَ) تَعْتَدُّ (عِدَّةَ حَيَاةٍ) تَنْزِيلًا لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً) مِنْ نِسَائِهِ (وَنَسِيَهَا أَوْ) طَلَّقَ (مُبْهَمَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قُرْعَةٍ؛ اعْتَدَّ كُلُّ نِسَائِهِ سِوَى حَامِلٍ الْأَطْوَلَ مِنْهُنَّ) أَيْ: مِنْ عِدَّةِ طَلَاقٍ وَوَفَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، وَأَنَّهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْعِدَّةِ يَقِينًا إلَّا بِذَلِكَ وَلَكِنَّ ابْتِدَاءَ الْقُرْءِ مِنْ حِينِ طَلَّقَ، وَابْتِدَاءُ عِدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ مِنْ حِينِ مَاتَ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ ارْتَابَتْ مَنْ بَانَتْ زَمَنَ تَرَبُّصِهَا) أَيْ: عِدَّتِهَا (أَوْ بَعْدَهُ بِأَمَارَةِ حَمْلٍ كَحَرَكَةٍ أَوْ انْتِفَاخِ بَطْنٍ أَوْ رَفْعِ حَيْضٍ أَوْ نُزُولِ لَبَنٍ؛ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا) وَلَوْ تُبَيِّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ (حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ) لِلشَّكِّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَتَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ وَزَوَالُ الرِّيبَةِ انْقِطَاعُ الْحَرَكَةِ وَزَوَالُ الِانْتِفَاخِ أَوْ عَوْدُ الْحَيْضِ أَوْ مُضِيُّ زَمَنٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَامِلًا (وَإِنْ ظَهَرَتْ) الرِّيبَةُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ نِكَاحِهَا (دَخَلَ بِهَا) الزَّوْجُ (أَوْ لَا، لَمْ يَفْسُدْ) النِّكَاحُ بِظُهُورِ الرِّيبَةِ، لِأَنَّهَا شَكٌّ طَرَأَ عَلَى يَقِينِ النِّكَاحِ، فَلَا يُزِيلُ وَحَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ لِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا. (وَمَتَى وَلَدَتْ) مُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا (لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ عَقْدٍ) عَلَيْهَا، (وَعَاشَ) الْوَلَدُ (تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ) أَيْ: النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَحِقَ بِالزَّوْجِ الثَّانِي، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ. (الثَّالِثَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ) بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ (وَلَوْ بـِ) طَلْقَةٍ (ثَالِثَةٍ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ وَمُبَعَّضَةٌ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً (بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (وَهِيَ) أَيْ: الْقُرُوءُ (الْحَيْضُ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ؛ لِحَدِيثِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَحَدِيثِ: «إذَا أَتَى قَرْؤُك فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا مَرَّ قَرْؤُك فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إلَى الْقَرْءِ» رَوَاه النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْقُرْءُ مُشْتَرَكًا بَيْن الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَ) تَعْتَدُّ (غَيْرُهُمَا) أَيْ: الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَهِيَ الْأَمَةُ (بِقُرْأَيْنِ) لِحَدِيثِ: «قَرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا كَحَدٍّ إلَّا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَلَيْسَ الطُّهْرُ عِدَّةً) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ طَلُقَتْ فِيهَا) بَلْ تَعْتَدُّ بَعْدَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَلَا تَحِلُّ) مُطَلَّقَةٌ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْمُطَلِّقِ (إذَا انْقَطَعَ دَمُ) الْحَيْضَةِ (الْأَخِيرَةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ) أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ حَرَامٌ؛ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ، فَلَمَّا مُنِعَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ كَمَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ؛ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مَا مَنَعَهُ الْحَيْضُ وَهُوَ النِّكَاحُ، (وَتَقَدَّمَ) فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ كَانَ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَصِحَّةِ اللِّعَانِ وَانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ لَا أَثَرَ فِيهَا لِلِاغْتِسَالِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْوَطْءُ. (وَلَا تُحْسَبُ مُدَّةُ نِفَاسٍ لِمُفَارَقَةٍ فِي حَيَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلُقَتْ عَقِبَ وِلَادَةٍ لَا تَحْسِبُ مُدَّةَ دَمِ نِفَاسِهَا بِحَيْضَةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَحِيضَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ حَيْضَاتٍ كَامِلَةٍ. (الرَّابِعَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّةِ (مِنْ لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ إيَاسٍ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ؛ فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أَيْ: كَذَلِكَ (مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ الْفُرْقَةِ، فَإِذَا فَارَقَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ؛ اعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
(وَ) تَعْتَدُّ (أَمَةٌ) لَمْ تَحِضْ (بِشَهْرَيْنِ) نَصًّا، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَتَانِ؛ وَلَوْ لَمْ تَحِضْ كَانَ عِدَّتُهَا شَهْرَيْنِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِيَكُونَ الْبَدَلُ كَالْمُبْدَلِ، وَلِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً.
(وَ) تَعْتَدُّ (مُبَعَّضَةٌ) لَمْ تَحِضْ لِذَلِكَ (بِالْحِسَابِ، فَيَزْدَادُ عَلَى الشَّهْرَيْنِ لِمَنْ ثُلُثُهَا حُرٌّ ثُلُثُ شَهْرٍ أَوْ) مَنْ (نِصْفُهَا) حُرٌّ (نِصْفُهُ أَوْ) مَنْ (ثُلُثَاهَا) حُرٌّ ثُلُثَاهُ (عِشْرُونَ يَوْمًا) وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٌ وَمُدَبَّرَةٌ فِي عِدَّةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ، وَكَذَا مُعَلَّقٌ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا. (وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَرَ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا) كَآيِسَةٍ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}. وَعِدَّةُ (مُسْتَحَاضَةٍ نَاسِيَةٍ لِوَقْتِ حَيْضِهَا أَوْ) مُسْتَحَاضَةٍ (مُبْتَدَأَةٍ كَآيِسَةٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَقْتَ حَيْضِهِمَا، وَالْغَالِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَيَطْهُرْنَ بَاقِيَهُ. (وَمَنْ عَلِمَتْ أَنْ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَثَلًا) وَاسْتُحِيضَتْ، وَنَسِيَتْ وَقْتَ حَيْضِهَا (فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ ذَلِكَ) أَيْ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فِي الْمِثَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ زَمَنٌ فِيهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِدُونِ ذَلِكَ. (وَمَنْ لَهَا) مِنْ الْمُسْتَحَاضَاتِ (عَادَةٌ) عَمِلَتْ بِهَا (أَوْ) لَهَا (تَمْيِيزٌ عَمِلَتْ بِهِ) إنْ صَلُحَ حَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (وَإِنْ حَاضَتْ صَغِيرَةٌ) مُفَارَقَةٌ فِي الْحَيَاةِ (فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْهَا) أَيْ: الْعِدَّةَ (بِالْقُرْءِ) لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ، لِعَدَمِهَا، فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِهِ. (وَمَنْ يَئِسَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّةِ أَقْرَاءٍ) بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ فِيهَا، وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ أَقْرَائِهَا أَوْ لَمْ تَحِضْ (ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ آيِسَةٍ) بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ آيِسَةٌ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا حَاضَتْهُ قَبْلُ. (وَإِنْ عَتَقَتْ) مُعْتَدَّةٌ (بَائِنٌ) فِي عِدَّتِهَا (أَتَمَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ. (الْخَامِسَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَوْ) كَانَ ارْتِفَاعُهُ (بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، وَلَمْ تَدْرِ سَبَبَهُ فَتَعْتَدُّ) سَنَةً مُنْذُ انْقَطَعَ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَصًّا، فَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَتَعْتَدُّ مِنْ انْقِطَاعِهِ (لِلْحَمْلِ غَالِبَ مُدَّتِهِ) تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِيُعْلَمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا (ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ كَآيِسَةٍ عَلَى مَا فُصِّلَ) آنِفًا فِي الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْأَمَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِدَّةِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَهِيَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، فَاكْتَفَى بِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا مُضِيَّ سَنَةٍ مِنْ الِانْقِطَاعِ- وَلَوْ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَبْنِي عِدَّةً عَلَى عِدَّةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ إمَّا بِالصِّغَرِ أَوْ الْإِيَاسِ، وَهُنَا لَمَّا احْتَمَلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْإِيَاسِ اُعْتُبِرَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الِانْقِطَاعِ لِلْإِيَاسِ، فَوَجَبَتْ عِدَّتُهُ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا مَضَى كَمَا لَا يُعْتَبَرُ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ الْإِيَاسِ لِأَنَّ الْإِيَاسَ طَرَأَ عَلَيْهِ (وَلَا تَنْقَضِي) الْعِدَّةُ (بِعَوْدِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْمُدَّةِ) لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كَالصَّغِيرَةِ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَحِيضُ (وَإِنْ عَلِمَتْ) مُعْتَدَّةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا (مَا رَفَعَهُ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ نِفَاسٍ؛ فَلَا تَزَالُ) إذَا طَلُقَتْ وَنَحْوُهُ فِي عِدَّةٍ (حَتَّى يَعُودَ) حَيْضُهَا (فَتَعْتَدُّ بِهِ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ؛ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ حِبَّانَ مُنْذُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ مُرْضِعَةٌ، فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ: إنْ مِتَّ وَرِثَتْك فَجَاءَ إلَى عُثْمَانَ وَأَخْبَرَهُ بِشَأْنِ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ، فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ، وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، ثُمَّ هِيَ عَلَى عِدَّةِ حَيْضِهَا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، فَرَجَعَ حِبَّانُ إلَى أَهْلِهِ فَانْتَزَعَ الْبِنْتَ مِنْهَا، فَلَمَّا قَعَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ حِبَّانُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الثَّالِثَةَ؛ فَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَوَرِثَتْهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ زَيْدٍ (أَوْ) حَتَّى (تَصِيرُ آيِسَةً) أَيْ: تَبْلُغُ سِنَّ الْإِيَاسِ (فَتَعْتَدُّ عِدَّتَهَا) لِأَنَّهَا آيِسَةٌ، أَشْبَهَتْ سَائِرَ الْآيِسَاتِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ زَوْجٍ) اخْتَلَفَ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ فِي وَقْتِ طَلَاقٍ (إنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا بَعْدَ وِلَادَةٍ، أَوْ إلَّا فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا بَعْدَ حَيْضٍ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ تَشْهَدُ بِدَعْوَاهَا، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ وَعَدَدِهِ، فَقُبِلَ فِي وَقْتِهِ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ؛ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ كَالنِّيَّةِ فِي الْيَمِينِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ، وَقَالَتْ: بَلْ فِي الطُّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ قَالَتْ: انْقَضَتْ حُرُوفُ الطَّلَاقِ مَعَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ؛ فَوَقَعَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ، وَقَالَتْ: بَلْ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ) وَفَائِدَةُ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ جَوَازُ الرَّجْعَةِ، وَبُطْلَانُ نِكَاحِهَا لِلْغَيْرِ فِي مُدَّةِ دَعْوَى بَقَائِهَا. (السَّادِسَةُ) مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ (امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ) أَيْ: مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَلَمْ تَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَلَا مَوْتَهُ (فَتَتَرَبَّصُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِهِ) وَهِيَ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ، وَأَرْبَعُ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ إنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكَ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ حَرْبٍ وَنَحْوِهِ، وَسَاوَتْ الْأَمَةُ هُنَا الْحُرَّةَ، لِأَنَّ تَرَبُّصَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِيُعْلَمَ حَالُهُ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ زَوْجَتِهِ (ثُمَّ تَعْتَدُّ) فِي الْحَالَيْنِ (لِلْوَفَاةِ) الْحُرَّةُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَالْأَمَةُ نِصْفَ ذَلِكَ (وَلَا يَفْتَقِرُ) ذَلِكَ التَّرَبُّصُ (إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْفُرْقَةِ) لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَتْبَعُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهِ وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ (وَلَا) تَفْتَقِرُ (إلَى طَلَاقِ وَلِيِّ زَوْجِهَا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا) لِوَفَاةٍ لِتَعْتَدَّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِوَلِيِّهِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَلِحُكْمِنَا عَلَيْهَا بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ فَلَا يُجَامِعُهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ كَمَا لَوْ تُيُقِّنَ مَوْتُهُ (وَيَنْفُذُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا) فَقَطْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا حَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ ظَاهِرًا، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْهَا لَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ فَائِدَةٌ (بِحَيْثُ) إنَّ حُكْمَهُ بِالْفُرْقَةِ (لَا يَمْنَعُ) وُقُوعَ (طَلَاقِ الْمَفْقُودِ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، فَإِذَا عَلِمَتْ حَيَاتَهُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا فُرْقَةَ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ؛ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلُّهُ (وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ) عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ (بِالْفُرْقَةِ) الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَاكِمِ؛ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ظَاهِرًا وَتَنْقَطِعُ (بِشُرُوعِهَا فِي الْعِدَّةِ) أَيْضًا بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهَا الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِالْفُرْقَةِ؛ لِعَدَمِ افْتِقَارِهَا إلَى الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ نَفْسِهَا بِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ، وَاخْتَارَهَا، رُدَّتْ إلَيْهِ، وَعَادَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ حِينِ الرَّدِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا جَمِيعِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَ(لَا) تَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ التَّزْوِيجِ (بِأَنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ) فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ حَيًّا مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ ضَرَبَ لَهَا الْحَاكِمُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا لَا فِي الْعِدَّةِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَا ذَكَرَ) مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ وَالِاعْتِدَادِ بَعْدَهُ (لَمْ يَصِحَّ) نِكَاحُهَا. (وَلَوْ بَانَ أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْقُودَ (كَانَ طَلَّقَ) وَأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ (أَوْ) بَانَ أَنَّهُ كَانَ (مَيِّتًا) وَأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ انْقَضَتْ (حِينَ التَّزْوِيجِ) أَيْ: قَبْلَهَا؛ لِتَزَوُّجِهَا فِي مُدَّةٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ مِنْ النِّكَاحِ فِيهَا؛ أَشْبَهَتْ الْمُعْتَدَّةَ وَالْمُرْتَابَةَ قَبْلَ زَوَالِ رِيبَتِهَا (وَمَنْ تَزَوَّجَتْ بِشَرْطِهِ) أَيْ: بَعْدَ التَّرَبُّصِ السَّابِقِ وَالْعِدَّةِ (ثُمَّ قَدِمَ) زَوْجُهَا (قَبْلَ وَطْءِ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) دَفَعَ إلَيْهِ مَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ. وَ(رُدَّتْ الْقَادِمَ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِقُدُومِهِ بُطْلَانَ نِكَاحِ الثَّانِي، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ فَتُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ (وَيُنْفِقُ) عَلَيْهَا الْقَادِمُ (مِنْ حِينِ رَدٍّ) إلَيْهِ كَالنَّاشِزِ إذَا عَادَتْ لِلطَّاعَةِ (وَيُخَيَّرُ) الْمَفْقُودُ (إنْ وَطِئَ الثَّانِي) قَبْلَ قُدُومِهِ (بَيْنَ أَخْذِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) لِبَقَائِهِ (وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ الثَّانِي، وَيَطَأهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ عِدَّةِ الثَّانِي وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَهُ) أَيْ: الثَّانِي (بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ) لِلثَّانِي؛ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ ظَاهِرًا. (قَالَ الْمُنَقِّحُ): قُلْت: (الْأَصَحُّ بِعَقْدٍ) وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا: إنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَالْأَثْرَمُ؛ وَقَضَى بِهِ الزُّبَيْرُ فِي مَوْلَاةٍ لَهُمْ؛ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَعَلَى هَذَا إنْ أَمْسَكَهَا الْأَوَّلُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَاقٍ، لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَسِيرٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهَا عَقْدًا جَدِيدًا قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْمُوَفَّقَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا عَقْدًا؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَإِنَّ زَوْجَةَ الْإِنْسَانِ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ لَهَا انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لِلزَّوْجِ الثَّانِيَ أَخَذُهَا (بَعْدَ طَلَاقِ) الزَّوْجِ (الْأَوَّلِ وَ) بَعْدَ انْقِضَاءِ (عِدَّةِ وَطْئِهِ) إيَّاهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْتَاجُ الثَّانِي عَقْدًا جَدِيدًا طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَأْخُذُ) الزَّوْجُ الْأَوَّلُ (قَدْرَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَعْطَاهَا مِنْ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) إذَا تَرَكَهَا لَهُ؛ لِقَضَاءِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ إلَيْهَا هُوَ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّضَ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ (وَيَرْجِعُ) الزَّوْجُ (الثَّانِي عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الزَّوْجَةِ (بِمَا) أَيْ: بِالْمَهْرِ الَّذِي (أَخَذَهُ مِنْهُ) الزَّوْجُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ (وَفِيهِ) أَيْ: فِيمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ (نَظَرٌ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْضُوا بِالرُّجُوعِ؛ فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَدْرِي مَا مَهْلِكُ زَوْجِهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ بَدَا لَهَا، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا، خُيِّرَ إمَّا امْرَأَتُهُ وَإِمَّا الصَّدَاقُ فَإِنْ اخْتَارَ الصَّدَاقَ فَالصَّدَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الْآخَرَ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ امْرَأَتَهُ عُزِلَتْ عَنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا وَقَدْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا الْآخَرُ وَرِثَتْ، وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَتَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِغَيْرِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لَزِمَتْ الزَّوْجَ بِسَبَبِ وَطْئِهِ لَهَا، فَرَجَعَ بِهَا كَالْمَغْرُورِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرَانِ بِوَطْءٍ وَاحِدٍ وَالْقَوَاعِدُ تَأْبَاهُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا الصَّدَاقَ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ مُسَاوٍ لِصَدَاقِهِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ بَعْضَهُ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ. (وَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ الْغَائِبُ حَتَّى مَاتَ) الزَّوْجُ (الثَّانِي) مَعَهَا (وَرِثَتْهُ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ فِي الظَّاهِرِ، (لَا) إنْ مَاتَ (الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي) فَلَا تَرِثُهُ؛ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا مِنْ إرْثِهَا بِتَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِ) الْأَوَّلِ (فَإِرْثُهَا لِلثَّانِي) لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا، (وَ) إنْ مَاتَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ قُدُومِ الْأَوَّلِ وَوَطْءِ الثَّانِي (وَلَمْ يَخْتَرْهَا) الْأَوَّلُ (فَكَذَلِكَ) أَيْ: فَإِرْثُهَا لِلثَّانِي (وَإِلَّا) يَتْرُكُهَا (فـَ) إرْثُهَا (لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ اخْتَارَهَا، وَحُكْمُ زَوْجَتَيْهِ بَاقٍ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ (هَذَا التَّفْصِيلَ) مَبْنِيٌّ (عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّنْقِيحِ مِنْ وُجُوبِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ إذَا تَرَكَهَا الْأَوَّلُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَ مِنْ الثَّانِي وَلَا أَنْ يَرِثَ مِنْهَا لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ بِظُهُورِ حَيَاةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ظَهَرَ مَوْتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ ثُمَّ قَدِمَ) كَأَنْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِمَوْتِهِ؛ أَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَوْ كَذِبًا فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ لِلْوَفَاةِ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ (فَكَمَفْقُودٍ فِي تَخْيِيرٍ) يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي أَنَّهُ مَتَى حَضَرَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَعْدَ وَطْءِ الزَّوْجِ الثَّانِي (بَيْنَ أَخْذِهَا) مِنْ الثَّانِي بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ حَيَّةً (وَإِرْثِهَا) إنْ كَانَتْ مَاتَتْ وَبَيْنَ تَرْكِهَا لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ صَدَاقِهَا الَّذِي هُوَ مِنْ الثَّانِي وَيَرْجِعُ بِهِ الثَّانِي عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ) الَّتِي شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ (مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ مَنْ شَهِدَتْ بِوَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا سَبَبُ اسْتِيلَاءِ الْغَيْرِ عَلَى مَالِهِ، (وَ) تَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ (مَهْرَ) الزَّوْجِ (الثَّانِي الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي غُرْمِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَيْضًا تَضْمِينُ مَنْ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ. (وَمَتَى فَرَّقَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِمُوجِبٍ) يَقْتَضِيهِ (كـَ) تَعَذُّرِ (نَفَقَةٍ) مِنْ جِهَةِ زَوْجٍ (وَ) أُخُوَّةِ (رَضَاعٍ) وَعُنَّةٍ (وَرِدَّةِ) زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ (ثُمَّ بَانَ انْتِفَاؤُهُ) أَيْ: الْمُوجِبِ لِلتَّفْرِيقِ (فَكَمَفْقُودٍ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَفْقُودِ إذَا تَرَبَّصَتْ زَوْجَتُهُ الْمُدَّةَ الشَّرْعِيَّةَ وَاعْتَدَّتْ تَزَوَّجَتْ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، وَيُخَيَّرُ بَعْدَ وَطْئِهِ بَيْنَ أَخْذِهَا وَأَخْذِ صَدَاقِهَا الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خُرُوجُ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ بِالْمُسَمَّى كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ ثُمَّ قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ قَوْمٌ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَيُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَظْهَرُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَكُنْ تَتَعَذَّرُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ مَنْ دَخَلَ بِهَا، فَقِيَاسُ الْمَفْقُودِ أَنْ يُخَيَّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ لِكَوْنِهِ عِنِّينًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ صُورَةٍ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ لِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ السَّبَبِ؛ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمَفْقُودَ؛ وَالتَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. (وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ) زَوْجٍ (غَائِبٍ وَ) أَخْبَرَ (أَنَّهُ وَكِيلُ) رَجُلٍ (آخَرَ فِي إنْكَاحِهِ بِهَا) أَيْ: الْمُطَلَّقَةِ (وَضَمِنَ الْمَهْرَ) أَيْ: مَهْرَ الرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي إنْكَاحِهِ بِهَا (فَنَكَحَتْهُ) أَيْ: نَكَحَتْ الرَّجُلَ بِمُبَاشَرَةِ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَكِيلُهُ (ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ) الْغَائِبُ (فَأَنْكَرَ) مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ طَلَاقِهَا (فَهِيَ زَوْجَتُهُ) بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا لَمْ يَرْفَعْهُ (وَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى وَاطِئٍ، وَلَهَا مُطَالَبَةُ ضَامِنِ مَهْرٍ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يَطَأَ فَلَا مَهْرَ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ: قَوْلُهُ وَمَنْ أَخْبَرَ بِطَلَاقِ غَائِبٍ إلَى آخِرِهِ (فِيمَنْ) أَيْ: زَوْجَيْنِ (لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ) لَهُمَا (إلَّا بِإِخْبَارِهِ) أَيْ: إخْبَارِ الْمُخْبِرِ بِالطَّلَاقِ (فـَ) لِذَلِكَ (قُبِلَ قَوْلُهُ فِي زَوَالِهَا) أَيْ: الزَّوْجِيَّةِ لِانْفِرَادِ ثُبُوتِ أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بِإِخْبَارِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ ثَابِتَةً بِدُونِهِ (فـَ) لَا يَكْفِي بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ وَحْدَهُ بِالطَّلَاقِ، بَلْ (لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةِ) رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فُلَانَةَ لِيَصِحَّ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ طَلَّقَ غَائِبٌ) زَوْجَتَهُ (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا (اعْتَدَّتْ مُنْذُ زَمَنِ الْفُرْقَةِ) أَيْ: وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِدَّةِ أَنْ تَسْتَمِرَّ بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى حَالِهَا فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْغَيْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ، وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ، فَوَجَبَ انْقِضَاؤُهَا بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ تَحِدَّ) فِيمَا إذَا مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لَيْسَ شَرْطًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ قَصْدًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْعِدَّةِ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَخْبَرَهَا مَنْ تَثِقُ بِهِ (لَكِنْ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى الْعِدَّةِ)، قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ كَكَوْنِهِ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ وَ(إنْ كَانَ الزَّوْجُ فَاسِقًا أَوْ مَجْهُولًا) حَالُهُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الَّتِي) أُخْبِرَ (فِيهَا) أَيْ بِانْقِضَائِهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ (حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى).